مئويّة أسفار عبد البهاء
البدار البدار إلى الألفة
إستقل حضرة عبد البهاء الباخرة «كورسيكا» من ميناء الأسكندرية يوم ١١ أغسطس/ آب ١٩١١ متجهاً إلى ثغر «مارسيليا»، ومنها قصد رأساً إلى منتجع Thonon-les-Bains تونون-ليه-بان بشرق فرنسا، وبعد استراحة أيام قليلة واصل سفره إلى لندن التي وصلها يوم ٤ سبتمبر/أيلول.
بلغت أنباء توقفه في تونون-ليه-بان إلى بعض البهائيين الذين أسرعوا بالسفر للقائه والتشرف بمعيته، والتزود بما يفيض به بيانه من شرح للتعاليم الروحانية التي أعلنها حضرة بهاء الله. وفي يوم ٢٧ أغسطس/آب ألقى حضرته في الحاضرين كلمة موجزة تعكس قلق حضرته من غفلة الناس عن الأحوال المهددة لوجودهم كما يفصّل التذييل اللاحق لنص الكلمة.
نشرت جريدة الأهرام خطاب «تونون» في عدد يوم ٩ سبتمبر/أيلول ١٩١١بعد أن قدمت له باختصار فقالت: «بعد أن أقام حضرة الحبر عباس افندي زعيم البهائية مدة غير قصيرة في القطر المصري، وكتب عنه مراسلونا الشيء غير اليسير، سافر إلى أوربا فقابلته صحفها بالفصول الطويلة وتوافد عليه الناس جماعات جماعات، وزاره العلماء ليعرفوا من هو. وقد تلقينا اليوم مع البريد الأوروپي رسالة من أحد كبار المستشرقين من تونون ننشرها بحروفها ليقف الرأي العام الشرقي على حال هذا الزعيم».
نص الحديث:
«أيها الحاضرون إلى متى هذا الهجوع والسُّبات، وإلى متى الرّجوع القهقرى، وإلى متى هذا الجهل والعمى، وإلى متى هذه الغفلة والشّقاء، وإلى متى هذا الظّلم والاعتساف، وإلى متى هذا البغض والاختلاف، وإلى متى الحميّة الجاهليّة، وإلى متى التّمسك بالأوهام الواهية، وإلى متى النّزاع والجدال، وإلى متى الكفاح والنّزال، وإلى متى التّعصب الجنسيّ، وإلى متى التّعصب الوطنيّ، وإلى متى التّعصب السّياسيّ، وإلى متى التّعصب المذهبيّ (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه)*1*، هل ختم اللّه على القلوب أم غشت الأبصار غشاوة الاعتساف أو لم تنتبه النّفوس إلى أن اللّه قد فاضت فيوضاته على العموم، خلق الخلق بقدرته، ورزق الكلّ برحمته، وربّى الكلّ بربوبيّته، (ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور)*2*.
فلنتّبع الرّبّ الجليل في حسن السّياسة وحسن المعاملة والفضل والجود، ولنترك الجور والطّغيان، ولنلتئم التئام ذوي القربى بالعدل والإحسان، ولنمتزج امتزاج الماء والرّاح، ولنتّحد اتّحاد الأرواح، ولا نكاد نؤسّس سياسة أعظم من سياسة اللّه، ولا نقدر أن نجد شيئاً يوافق عالم الإنسان أعظم من فيوضات اللّه، ولكم أسوة حسنة في الرّبّ الجليل، فلا تبدّلوا نعمة اللّه وهي الألفة التّامّة في هذا السّبيل. عليكم يا عباد اللّه بترك الاختلاف وتأسيس الائتلاف، والحبّ والإنصاف، والعدل وعدم الاعتساف.